لعل أكثر ما نعانى منه على مدار عشرات السنين
هو عدم وضوح الرؤية المتسقبلية لما نريده لهذا الوطن ،فلقد اعتدنا على التعامل مع
معطيات الامر الواقع و اللجوء إلى الحلول دون دراسة مسبقة لها من كافة الجوانب و
مدى تأثيرها على الأجيال القادمة و لعلنا نعزى هذا الوضع إلى ما عانت منه مصر من
حروب كان أخرها حرب 1973 ثم الدخول فى صراع المفاوضات من اجل إسترداد ما تبقى من
أراضى و عدم وجود نخبة سياسية تنويرية حقيقية تضئ الطريق لأبناء الوطن مما أودى
بنا إلى نسبة الفقر و نسبة الامية المرتفعة التى نعانى منها ناهيك عن نسبة الامية
الثقافية بين أوساط ما يطلق عليهم مثقفون.
و لذلك يجب علينا أولاً الاعتراف بما نحن فيه
بعيداً عن الشعارات الكاذبة التى نتغنى بها يومياً ، فمصر لا تتعدى كونها إحدى دول
العالم الثالث المتفشى فيها الجهل و الفقر و المرض و تحول بنا الأمر إلى مجرد أسم
على الخريطة لا نسمع لها صوتاً إلا فى حالة الحراك الداخلى فقط و كأن كل الدول
المحيطة أرادت بك أن تتحول إلى دولة ناسكة.
و الأزمة الداخلية المصرية تكمن فى عدم وجود
رؤية مستقبلية واضحة لعدم وجود فصيل سياسى قادر على حمل مسئولية هذه الأمه و المضى
قدماً فى طريق إصلاح ما نحن فيه من جهل و عبث.
فلكل فصيل أفكاره البائسة التى تبنى على ايدولوجيات
عبثية رجعية يؤمن بها فقط هو دون سواه و يرى انها الأصلح للتطبيق فى هذه الدولة و
تناسى أن ممن سبقوه فى الحكم رأوا أيضاً أن افكارهم هى الأصلح للتطبيق و إن تمعنت فى حديثك مع أى من قاداتهم ستجد أنهم
لا يسعون سوى للوصول إلى سدة الحكم فى لحظة تجلى سياسى من جانبهم تجعلك تدرك مدى
الافلاس و الجهل السياسى الذى نمر به و الذى سيلازمنا لفترة قادمة إن لم يستفق
الجميع و تنزع "التخمة السياسية" رداء العفة التى تظن أنها ترتديه و
يقبع الكهول فى منازلهم و يتركوا الأمر للشباب المؤمن بقضية وطنه فقط ، فيجب على
الجميع ان يكون على دراية تامة و مقنعة بأن دول العالم الثالث لا يمكن لها ان تطبق
الايدولوجيات المعلبة التى وضعت فى القرنين الثامن و التاسع عشر، فدول العالم
الثالث هى التى تستحدث الايدولوجية الخاصة بها إذا أرادت النهوض مما هى قابعة فيه
، و على الجميع الإتفاق على أنه لا مفر من العلمانية لكى نضع قدمنا على أول الطريق
فنحن فى عصر العلم و ليس عصر العقائد ، و العمل على مرحلة تنويرية حقيقية تعمل على
تقليل الفارق الحضارى بيننا و بين الغرب و تستهدف أن يعى رجل الشارع ما له من حقوق
و ما عليه من واجبات تجاه الدولة و أن يحرر عقله من أى سلطان و كيف يختار من يمثله
و يشاركه فى تحقيق اهدافه ، و ان تعيد الدولة إعادة هيكلة أجهزتها المختلفة و تكف عن القيام بدور المانح للعطايا لصالح
"التخمة السياسية" و تقوم بإعادة توزيع الدخل مرة اخرى بصورة حقيقية
ملموسة ، و هذا سيستغرق وقتاً و لن تباركه "التخمة السياسية" لأنها لا
تريد سوى أن تكون حاشية أى رئيس قادم فقط لا غير و لذا وجب علي الشباب الترفع عن
مساندتهم و العمل على تلك المرحلة بكل تفانى و إخلاص حتى نضع حلول نهائية لما نحن
فيه من عبث مستمر على مدى عشرات السنين الماضية.
و خلاصة القول يجب علينا أن نعيد ترتيب
أنفسنا من جديد و العمل على فهم ما نحن فيه و ما نحتاج إليه مستقبلاً بعيداً عن أى
توجهات أو إنتماءات ايدولوجية أودت بنا إلى الهاوية و ما زالت الأيام المقبلة تبشر
بمزيد من الإنحدار فى ظل ما نحن فيه من إنقسام داخلى سيقودنا إلى مجالس نيابية
وإنتخابات رئاسية نتائجها صاعقة لنا مرة أخرى.
"لن تحكمنا أيدولوجية معلبة لكنه يجب
علينا ان نستحدث الايدولوجة الخاصة بنا كى يكتب لنا النجاة فى ظل الصراع الحضارى
القائم......افيقوا مما انتم فيه حتى ننهض."
"التنوير هو الحل"
No comments:
Post a Comment